في الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو رَدِّ الاعتبار للأنثى وتحريرها من مختلف العادات والأعراف التي تمس بكرامتها داخل المجتمع، يتسابق الكثيرون في هذا الزمن إلى التنافس على ابتداع تقاليد جديدة تسهم في تكريس الرؤى والتمثلات التقليدية التي تصل عند البعض حد القداسة.
من يصدق أن الإنسان المنحدر من أصول عربية في منطقة تافيلالت إن أراد تزويج ابنةً له عليه أن ينفق كل ماله ويبيع ممتلكاته وأحيانا مصدر رزقه، كما قد يضطر إلى الاقتراض من أحد أقربائه أو أصدقائه لكي يؤثث غرفةَ نوم العروس، أثاثٌ قد تصل تكلفته أحيانا إلى أكثر من ستة ملايين سنتيم. فكيف لنا إذا ما بشرنا بالأنثى أن لا تسودَّ وجوهنا ونهجر الناس أياما من الزمن؟
"القَشْ" أو "الدَّهَاز"، هكذا تسمى كل تلك المقتنيات التي تحملها العروس إلى بيت زوجها، والتي تضم سريراً للنوم بكل مرفقاته، وأواني منزلية على مختلف أشكالها وأنواعها، وما لذ وطاب من الأفرشة والأغطية الباهظة الثمن، بل قد يشمل أحيانا بعض الآلات الالكترونية (ثلاجة، آلة التصبين، شاشة تلفاز...إلخ). والأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل يمتد إلى شراء جملة من المقتنيات الغذائية الأخرى الذي تكلف الكثير من الأموال.
حتى بعض الآباء الذين يجدون الحرج الكبير في إنفاق كل هذه الأموال لضيق ذات اليد، خاصة وأن الواحد منهم قد تكون له أكثر من بنت واحدة، يقولون له: "إنها عادات الأجداد يا خويا، توكل على الله وقم باللازم." وعندما ينفق كل ما بين يديه ويخرج من هذا الزواج بخفي حنين، قد يحدث أن تطَلَّق ابنته بعد شهر أو شهرين ويجد نفسه أمام قرض مثقل لا يرده إلا بعد سنوات طوال.
مؤسفٌ أن تتحملَ أسر الفتيات كل تلك النفقات التي لا يملكون لها جهدا ولا طاقة. أقولها وصور بعض الآباء المستضعفين الذين اضطروا إلى بيع أراضيهم ومصادر رزقهم تعن ببالي. كلهم يعربون عن ثقل هذه النفقات ولا يتوانون في لعن البنات، لكنهم لا يملكون شيئا أمام هذه العادات سوى الخضوع والانصياع لها.
للحظة يتساءل المرء، كيف لنا أن نتحدث عن "الجاهليين" بسوء ونحن أكثر جهالة وظلما منهم. ولعل الأنكى من كل هذا هو أن هذه العادات مستشرية في مناطق تافيلالت ولا أحد استطاع تغييرها ولو بلسانه. حتى المثقفون ينساقون وراء هذه العادات ويتعللون بكلام الناس وأشياء أخرى لا تدخل العقل.
رشيد الهاشمي

Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire