النهضة الأوربية وانطلاق الكشوفات الجغرافية...
بعد الأحداث البارزة التي عاشتها القارة الاوربية مطلع القرن الخامس عشر الميلادي، والتي تمثلت في انبعاث روح النهضة و ظهور ملامح الحداثة تحديدا من الجغرافيا الايطالية القريبة من مركز الاشعاع العلمي والتجاري العالمي المجال الاسلامي آنذاك.. هذه التطور الفكري و العلمي الأوربي زعزع أركان الاقطاعية/الفيودالية و فضح زيف و مشروعية الكنيسة الكاثوليكية التي حملت على عاتقها لزمن مهمة القيادة و الزعامة للعالم المسيحي..
ومن الثمار الرطب الأخرى التي قطفها الأوربيون من جراء هذه الحركة الخلاقة، اعادة النظر في مكانة الانسان باعتباره أسمى المخلوقات فهو مميز عنها بملكة العقل، هذه الرؤية الجديدة أطلقت العنان لإبراز قدرات و مؤهلات هذا الإنسان .. فقد ارتفع منسوب الانتاج العقلي بشتى ألوانه الفكري و العلمي و الفني...
هذاالزخم.. جعل الفرد الأوربي يتمرد على كل قيوده و عوائقه المادية و المعنوية.. و بالفعل تغيرت بنية المجتمع و شاعت المعرفة العلمية و اتسعت حدود المخيال..
فعلى المستوى الاجتماعي أضيفت طبقة جديدة للمجتمع الأوربي هي البورجوازية(قديمة متجددة)، هذه الأخيرة اصبحت هي القائد الفعلي للمجتمع اقتصاديا(التجارة) و سياسيا مستفيدة من أفول نجم طبقة النبلاء الاقطاعية(البارونات ،الكونتات...)..
أما على صعيد المعتقد فقد انطلقت حملة اصلاحية شعواء ضد الكنيسة الكاثوليكية كان أبطالها مصلحون دينيون من قبيل اللوثريون( نسبة إلى مارتن لوثر) و الكلفان( نسبة إلى كالفن)...مما أسهم في تفكيك الأحجية الكاثوليكية ودحض تأويلها غير الصحيح للكتاب المقدس (الإنجيل (
و تقنياً، تم إغناء الموسوعة العلمية باختراعات تقنية جديدة زادت من طموحات و رغبات المواطن الأوربي الذي تحققت أحلامه القومية بظهور اللغات الوطنية، و تسارعت وتيرة انتشار هذه المؤلفات بين شرائح المجتمع الأوربي بفض اختراع المطبعة سنة 1455م من قبل الألماني جوهان غوتنبرغ.
كل هذه التحولات جعلت من القارة الأوربية ركنا يضيق شيء فشيء بتطلعات شعوبه..
و بالفعل بدأ التفكير الحثيث في ضرورة اكتشاف عوالم جديدة تشبع رغبات الأوربيين المتزايدة..
دوافع انطلاق الاكتشافات الجغرافية الكبرى...
بعد سرد سياق انطلاق الكشوفات الجغرافية الأوربية الكبرى، سوف نستمر في مناقشة هذا الحدث التاريخي العظيم الذي أدى إلى تغيير ملامح الخريطة العالمية..
وبالفعل بدأت سفن الكرافيلا في شحن مؤنها و بسط أشرعتها .. ثم وجهت بوصلتها نحو مَخْر عباب المحيط الأطلنتي الغامض العميق، فمن بين الدول الأوربية التي قادت هذا الحدث التاريخي الكبير نجد إسبانيا و البرتغال "الايبيريون" إلى جانب فرنسا و انجلترا...
فمن جملة الدوافع التي حتمت على الأوربيين اجتياز هذا الامتحان الصعب هي الوصول إلى منع و مصدر المواد الخام (الحرير. التوابل . الذهب. الفضة...) أي تجاوز الوساطة التجارية التي كان يلعبها العالم الاسلامي خاصة في الشرق نظرا لتحكمه في طريق الحرير التجاري القادم من الصين و بعض بلدان جنوب شرق آسيا.. أما العوامل الاخرى المفسرة لانطلاق الرحلات البحرية الأوربية، فتبقى ثانوية و من جملتها البحث عن حلفاء يشاركونهم نفس الأهداف و القيم المسيحية إلى جانب مد النفوذ أي ضم أقاليم و مناطق جديدة إلى خرائطهم السياسية الاستعمارية...
فكيف تمت الرحلات البحرية الأوربية ؟
وبعد أشهر من الملاحة و الابحار في رحاب المحيط الاطلنتي، تمكن الاوربيون من بلوغ المبتغى المنشود فقد وصل البرتغاليون إلى الضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط، حيث تم احتلال بعض الثغور المغربية كانت أبرزها مدينة سبتة بالاضافة إلى بعص المدن الأخرى المطلة على المحيط الأطلنتي .. و استمرت الهيمنة البرتغالية على طول الساحل الغربي للقارة الافريقية حتى بلغت أقصى جنوب القارة السمراء "رأس الرجاء الصالح" .. هذا النجاح البحري الباهر شجع البحارة البرتغال إلى مواصلة الرحلة نحو الهند منبع مواد التجارة العالمية..
ويشار إلى أن أشهر الملاحين الذين قادوا هذه الرحلات البحرية البرتغالية هم الأمير هنري الملاح(1384-1406) إلى جانب فاسكو دي كاما(1469-1524)..
أما الاسبان فقد ضلوا الطريق نحو الهند لكنهم و في المقابل وصلوا إلى وجهة جديدة غير متوقعة و هي أمريكا الشمالية و الجنوبية باستثناء البرازيل التي كانت من نصيب البرتغاليين، حيث وصلت سفن الرحالة كريستوف كولمب(1451-1506)إلى شواطئ جزر الكاريبي ..أما الانجليز فوصلت سفنهم إلى شواطئ أمريكا الشمالية بقيادة الملاح كابو في حين وصل الملاح الفرنسي كارتي إلى أقصى شمال القارة الأمريكية الشمالية منطقة "الكيبك" الكندية اليوم.
فهل كانت المناطق المكتشفة من قبل الأوربيين أراضً خلاء؟
كما هو معروف عند الجميع أن الانسان منذ بدايته الأولى على كوكب الأرض كان يعيش متنقلا بين الغابات و المغارات.. باحثا عن الغذاء و الأمان... هذا الانسان أصبح يجنح إلى الاستقرار بعد اهتدائه الى الزراعة، وقد استقر الانسان بمناطق جغرافية محدودة على سطح الارض كبلاد ما بين النهرين ثم الهند و السند ... وهذا لا ينفي الاستقرار البشري بالعالم الجديد المكتشف " الأمريكيتين"
فما هي مخلفات الاكتشافات الجغرافية الكبرى يا ترى؟
تمت الاشارة في الخلاصات القصيرة السابقة إلى ظروف انطلاق الاكتشافات الجغرافية الأوربية ابتداء من أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، بالإضافة إلى استخلاص الدوافع الكبرى المفسرة لانطلاقها ثم أسماء أشهر ملاحيها و المناطق التي اكتشفوها...
سوف نتطرق في هذه الفقرة الأخيرة إلى النتائج الكبرى التي خلفتها هذه الرحلات البحرية المثيرة للجدل..
أولا سأجيب على السؤال الذي طرحته سابقاً.. و هو هل كانت المناطق المكتشفة أراض خلاء عندما بلغها الأوربيون ؟
و الجواب هو كالتالي:
لقدت كانت هذه المناطق المكتشفة(العالم الجديد) مأهولة بساكنة محلية متجذرة، هذه الشعوب أشارت لها كتابات المستكشفين الاوربيين كما أن الآثار الشامخة التي لازالت بارزة إلى الآن تعزز و تقوي هذا الطرح ( رسومات نازكا بدولة البيرو على سبيل المثال).
و الشعوب التي كانت مستقرة في تلك العوالم نذكر.. شعوب المايا و الانكا ثم الأزتك... و تحديدا بالقارة الأمريكية الجنوبية بالإضافة إلى منطقة أمريكا الوسطى(المكسيك حاليا).. ثم نجد شعوب الهنود الحمر بأمريكا الشمالية...
فعندما رست سفن البحارة الأوربيين على سواحل تلك المناطق انبهروا من هو ما رأوا .. فالطبيعة كانت جميلة عذراء.. لكنهم فوجئوا كثيرا بالشعوب التي كانت تسكن بهذه الأرض و مظاهر حضارتهم العجيبة.. هذا الموقف العفوي كان يخفي من من ورائه صداما متضادا بين مستوى و مكانة الحياة عند الفريقين الأوربي و المحلي الأصيل...
هذا المزيج الحضاري حوله الجشع الأوربي إلى صدام استعماري عنيف...فنظراً لعدم التكافؤ بين امكانات الطرفين آلت الكفة للأوربيين الأقوياء بسلاحهم و تنظيمهم المحكم..
وفي وقت وجيز.. انتهت المواجهة بإبادة الطرف الضعيف، فقد تم القضاء على شعوب تلك الأرض كأنها لم تكن...
ومن الإفرازات الأخرى لرحلات الأوربيين، استحواذهم على كنوز و خيرات.. تلك الأقاليم، حيث تدفقت المعادن النفيسة على أوربا(وصلت كمية الذهب التي تدفقت على الدولة الإسبانية سنة 1610م إلى حوالي 12 طن و 2214 طن بالنسبة للفضة)، و بسطت الأراضي الفلاحية الولود.
وهكذا اتسعت مناطق النفوذ الاستعماري الأوربي بالعالم الجديد، حيث تم تقسيم الخريطة العالمية إلى قسمين شرقي تحت الراية البرتغالية أما الشق الغربي فكان تحت السيادة الإسبانية، فقد وضع هذا التقسيم بعد توقيع معاهدة تورد سيلاس سنة 1494م بين الإسبان و البرتغاليين، كما انتشرت تعاليم المسيحية رغم أنف الكارهين في إطار عملية التبشير.
كل هذه التطورات، عززت مكانة أوربا الاقتصادية و السياسية عالميا و نقلت مركز الكون التجاري إلى المحيط الاطلنتي بعدما استقر طويلا بالبحر الأبيض المتوسط.
هذه التطورات التاريخية التي تلت انطلاق الكشوفات الجغرافية الكبرى نقلت أوربا نحو الحداثة، أما العالم الإسلامي فسلك مسار التقليد و الانكماش.
هذه الدراسة التاريخية المتواضعة.. تعبر عن اجتهاد شخصي و بالتالي فهي تحتمل النقاش و التعديل...

Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire