أخبار الإنترنت
recent

ديداكتيك النص الأدبي




تعد النصوص الأدبية ظاهرة لغوية ومبنى لغوي وجمالي متباين العناصر والمكونات، ولكنه منسجم من حيث كونه كيان لغوي قائم الذات منظم ومبني، واعتماد مثل هذه النصوص كوسيلة تعليمية أساسية داخل المنظومة التربوية عموما، وفي المرحلة الثانوية على وجه الخصوص له مزايا عديدة ومتنوعة، فهي وسيلة تعليمية يسعى من خلالها المدرس إلى تحقيق مجموعة من الأهداف والكفايات المسطرة، كما أن استثمارها في تدريس مكون علوم اللغة يحفز المتعلمين على العمل الإيجابي والنشاط الذاتي والمشاركة الفعالة في بناء الدرس ونجاحه، الشيء الذي يسهل على المتعلم اكتساب كفاية تواصلية بشكل متدرج ومستمر. كما أن لهذه النصوص قيمة تربوية كبرى أيضا تتجلى في تهذيب الوجدان، وتصفية الشعور، وإرهاق الحس، والسمو بالتذوق الأدبي والجمالي، والاتصال بالمثل العليا في الأخلاق والسلوك البشري، وكذا النهوض بمستوى التلاميذ اللغوي حيث يتجلى ذلك في تعبيرهم وتقويم لسانهم، وتعويدهم حسن الإلقاء والكتابة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا هاهنا بإلحاح هو، ماهي المنهجية المعتمدة في تدريس هذه النصوص الأدبية والكفيلة بتحقيق هذه المرامي والأهداف؟.

تعتبر القراءة المنهجية من بين المقاربات البيداغوجية والمنهجيات التي تم اعتمادها في تدريس النصوص الأدبية في المرحلة الثانوية التأهيلية على وجه الخصوص، باعتباره اختيارا أملته مقتضيات تجديد درس النصوص، والتي تمتح مبادئها من نظرية التلقي التي تنطلق من فاعلية القارئ في علاقته بالنص، لذلك فإن التدريس وفق هذه الطريقة يستلزم تتبع " مجموعة من العمليات والخطوات والمراحل والأنشطة التي تنتهج من أجل فهم النصوص وتحليلها تحليلا يستثمر مختلف معطياتها الداخلية والخارجية" ، ويمكن تقسيم هذه المراحل إلى ثلاث مراحل أساسية:

1-     مرحلة ما قبل القراءة أو ما يسمى بالقراءة الاستكشافية:

تشكل هذه المرحلة الخطوة الأولى لضبط العمليات النظرية المساعدة على قراءة النص ورصد بنياته، لأنها تشكل اللقاء الأول الذي يجمع بين التلميذ القارئ والنص المدروس، وتنجز هذه المرحلة عبر محطتين اثنتين:

أ‌-      اكتشاف النص:

تشكل هذه المحطة المدخل الأول الذي يمكن المتعلم من التعرف على النص، من خلال الملاحظة المتفحصة التي تسعى إلى توجيه المتعلم على اكتشاف المؤشرات الدالة في النص أو ما يسمى بعتبات النص وهي ( العنوان؛ الصور المرافقة للنص؛ توزيعه المكاني؛ مصدره؛ نوعية النص؛ والتيار الذي يندرج ضمنه)، من أجل صياغة الفرضيات الأولى، انطلاقا من المكونات السيميائية واللسانية القابلة للملاحظة.
ب‌-    القراءات الأولى وصياغة مشروع القراءة:
في هذا الجانب من الدرس ينتقل المدرس بالمتعلمين من مرحلة الملاحظة العامة والخارجية للنص، إلى القراءة الأولى التي تسعى إلى إدراك المتعلمين للمضامين، وإنتاج معنى النص، من منطلق اعتبار هذا الأخير مرتبطا بسياق القراءة. حيث يقوم المدرس بقراءة النص المدروس قراءة نموذجية معبرة، مراعيا فيها كل قواعد القراءة الجيدة، من نطق سليم وتمثيل للمعاني، حتى يكون قدوة لمتعلميه من جهة، ويقرب إليهم الفهم العام للنص من جهة أخرى، بعدها يطالب بعض متعلميه بقراءة النص مرة أخرى، مع تتبعه لأخطائهم وتصحيحها، وشرح مفردات النص الصعبة من أجل تذليل صعوباته اللغوية والأسلوبية، والوصول إلى استخلاص الفكرة العامة إن كان نصا نثريا، أو المضمون العام إن كان نصا شعريا، أو المتن الحكائي إن كان النص قصة...  

2-     مرحلة القراءة المنهجية أو ما يسمى بالمكاشفة:

وتسمى أيضا بمرحلة التأويل والقراءة التحليلية التي تحاول أن تنزع نحو التعمق لتفكيك النص إلى عناصر وأجزاء، وإدراك العلاقات القائمة فيما بينها، مما يفرض على القارئ أو الدارس التسلح بمجموعة من المفاهيم والأدوات التحليلية المختلفة حسب الفضاء النصي الذي يريد الإبحار فيه؛ لأنه لا وجود لشبكة قارة أو لخطة موحدة متكونة من أنشطة نمطية قابلة للتطبيق على جميع النصوص، فالنص الشعري ليس هو النص النثري، كما أن النص القصصي ليس هو النص المسرحي...، مما يتوجب على الدارس الانتباه في رحلة البحث عن تشكل المعنى( معنى النص) إلى العناصر المساهمة والمساعدة في بناء الدلالة، انطلاقا من مادة النص اللغوية وخصائصه الفنية التصنيفية والخطابية والأجناسية والطريقة التي كتب بها وهو الأمر الذي تسعى القراءة المنهجية لتحقيقه؛ وذلك باكساب المتعلم منهجية علمية للتعامل مع كل جنس أدبي على حدة من خلال توظيف المفاهيم الإجرائية المناسبة والمهارات الذهنية الملائمة.

3-     مرحلة ما بعد القراءة و ما يسمى بالكشف:      

تعد هذه المرحلة آخر مراحل القراءة المنهجية، وهي مرحلة أساسية في دراسة النصوص الأدبية؛ كونها تعمل على تجسد الفعل القرائي وتمديده، فدراسة النصوص لا تنتهي عند تحليل النص وتفكيك بنياته وتعرف دلالته، بل تتعداه إلى توسيع  مجال القراءة، وتجاوز القراءة الانطباعية، بحيث يعمل المدرس إلى حث المتعلمين على تمحيص الفرضيات التي تم افتراضها في البداية؛ عبر تركيب وتجميع معطيات النص المتوصل إليها في القراءة التحليلية على مستوى الشكل والمضمون ومناقشتها، بالإضافة إلى تشجيعهم على إبداء الرأي الشخصي فيها.  



عبد العالي مغراوي

أجيال الدويرة

أجيال الدويرة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.