أخبار الإنترنت
recent

شريط حياة





ربط خيوط حذائه بصراماة يعكسها محياه ومضى يشق طريقه في تصميم.. عليه تبدو ملامح الواثق، مُتأبطا كراساته الورقية.. مشى بعزم وإصرار.. يحذوه أمل المستقبل.. أخرج سيجارته من جيب قميصه في ارتباك واضح.. تراسلت خيوط الدُّخان في اللحاق بتسارع خُطواته.. لم يتأمل سيجارته الأولى كعادته اليومية.. بل لم يرتشف شايه السكري المُعتاد.. فهو لا يحب القهوة ولا يستصيغ رائحتها.. و يصِلُ به الحدُّ إلى القرف من كُلّ عاشق لها.. ألقى تحية الصباح على حارس الموقف واستقل سيارته قاصداً مُبتغاه.. جال العقل في إعادة شريط ما يجب القيام به.. ركن تحت ظل شجرة الرصيف سيارته، وارتجل عابراً للجهة الأخرى من الشارع.. لاحت عيناه تتأمل أباً يُداعب صغيرتهُ في سعادة غامرة، تعكسها ملامح الفتاة البريئة.. جال في مِخياله ابنه الذي لم يُجالسهُ منذ أشهر لضغط العمل وطاولة الغذاء التي لم يجتمع وأفراد أسرته عليها منذ أسابيع.. جرّ ربطة عُنُقه بعُنفٍ هَوَت معه جُثّته في لحظة مُفاجئة.. لم يُحس بشيء.. وقع واندثرت أوراق كراساته اندثاراً.. ارتطمت جمجمة الرأس بالأرض حتى انفجرت دماؤه ثائرة في غزارة غزت كلّ جنبات الجثة الهامدة.. استرجع شريط حياته وروتينها العنيف.. كان يملك المال والبنين.. كان له كل شيء.. لكنه أدرك أنه لم يعش.. كان فقط يمارس روتينا روبوتيا دون استطعام للذة الحياة.. ظن أن له معنىً في تطوير مُقاولته واعتلاء سلالم الرُقي.. لكن أدرك متأخرا أن معناه فارغ القوام وجعل منه آلة بشرية مُفرغة الأحاسيس.. فلم يذق سعادة الحياة ودفء العائلة.. هوت جميع خططه متتابعة دون سابق إنذار.. رأى نفسه ذلك الطفل الحالم كبر لشاب نشيط طموح ليغدو رجلا غاص في العالم المادي متناسياً إنسانيته عن قصد.. ذابت مع مرور الوقت في جسده الفزيائي.. فأصبح على ما فارق الحياة عليه.. كائناً مهووسا تائها وراء خطط لا تنتهي.. تبخرت روحه بنار الروتين واندثرت انسانيته بحطب التكرار.. لعثمت شفتاه جملة أكملتها ملامح العينين وأتممتها راحة اليد المضمومة في طياتها حسرة على حياة زائلة، راحت سعادتها ثمنا لأشياء تافهة.. واستسلم لقدره المحسوم...



                                                            وعزى أيوب
                                                                مكناس

أجيال الدويرة

أجيال الدويرة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.